essam مؤسس المنتدى
الجنس : تكريم : عدد المساهمات : 6047 تاريخ التسجيل : 27/03/2009
:: قران كريم :
| موضوع: رسالة ابن تيمية إلى سرجون حاكم قبرص السبت يونيو 06, 2009 4:47 pm | |
| بســم الله الـرحمــن الرحيــم
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،
"يا أيها الملك كيف تستحل سفك الدماء وسبي الحريم وأخذ الأموال بغير حجة من الله ورسله.
ثم أما يعلم الملك أن بديارنا من النصارى أهل الذمة والأمان ما لا يحصي عددهم إلا الله، ومعاملتنا فيهم معروفة، فكيف يعاملون
أسرى المسلمين بهذه المعاملات التي لا يرضى بها ذو مروءة، ولا ذو دين؟! لست أقول عن الملك وأهل بيته ولا إخوته؛ فإن أبا العباس
شاكر للملك ولأهل بيته كثيراً، معترفاً بما فعلوه معه من الخير، وإنما أقول عن عموم الرعية. أليس الأسرى في رعية الملك؟!
أليست عهود المسيح وسائر الأنبياء توصي بالبر والإحسان فأين ذلك؟!
ثم إن كثيراً منهم إنما أخذوا غدراً، والغدر حرام في جميع الملل والشرائع والسياسات، فكيف تستحلون أن تستولوا على من أخذ
غدراً؟!
أفتأمنون مع هذا أن يقابلكم المسلمون ببعض هذا، وتكونون مغدورين؟! والله ناصرهم ومعينهم؛ لا سيما في هذه الأوقات، والأمة قد
امتدت للجهاد، واستعدت للجلاد. ورغب الصالحون وأولياء الرحمن في طاعته، وقد تولى الثغور الساحلية أمراء ذوو بأس شديد، وقد
ظهر بعض أثرهم، وهم في ازدياد.
ثم عند المسلمين من الرجال الفداوية (الفداوي بمعنى الفدائي)، الذين يغتالون الملوك في فرشها، وعلى أفراسها، من قد بلغ
الملك خبرهم؛ قديماً، وحديثاً. وفيهم الصالحون الذين لا يرد الله دعواتهم، ولا يخيب طلباتهم، الذين يغضب الرب لغضبهم، ويرضى
لرضاهم.
وهؤلاء التتار مع كثرتهم وانتسابهم للمسلمين لما غضب المسلمون عليهم أحاط بهم من البلاء ما يعظم عن الوصف. فكيف يحسن
أيها الملك بقوم يجاورون المسلمين من أكثر الجهات أن يعاملوهم هذه المعاملة التي لا يرضاها عاقل؛ لا مسلم، ولا معاهد؟!".
"ثم هذه البلاد ما زالت بأيديهم على الساحل؛ بل وقبرص أيضاً ما أخذت منهم إلا من أقل من ثلاثمائة سنة، وقد وعدهم النبي صلى
الله عليه وسلم أنهم لا يزالون ظاهرين إلى يوم القيامة.
فما يؤمن الملك أن هؤلاء الأسرى المظلومين ببلدته ينتقم لهم رب العباد والبلاد، كما ينتقم لغيرهم؟!
وما يؤمنه أن تأخذ المسلمين حمية إسلامهم فينالوا منها ما نالوا من غيرها؟! ونحن إذا رأينا من الملك وأصحابه ما يصلح عاملناهم
بالحسنى، وإلا فمن بغي عليه لينصرنه الله.
وأنت تعلم أن ذلك من أيسر الأمور على المسلمين. وأنا ما غرضي الساعة إلا مخاطبتكم بالتي هي أحسن، والمعاونة على النظر
في العلم، وإتباع الحق، وفعل ما يجب. فإن كان عند الملك من يثق بعقله ودينه فليبحث معه عن أصول العلم وحقائق الأديان، ولا
يرضى أن يكون مع هؤلاء النصارى المقلدين، الذين لا يسمعون ولا يعقلون؛ إن هم إلا كالأنعام؛ بل هم أضل سبيلاً".
"والكتاب لا يحتمل البسط أكثر من هذا؛ لكن أنا ما أريد للملك إلا ما ينفعه في الدنيا والآخرة، وهما شيئان.
(أحدهما) له خاصة، وهو معرفته بالعلم والدين، وانكشاف الحق، وزوال الشبهة، وعبادة الله، كما أمر، فهو خير له من ملك الدنيا بحذافيرها.
وهو الذي بعث به المسيح، وعلمه الحواريين.
(الثاني) له وللمسلمين، وهو مساعدته للأسرى الذين في بلاده، وإحسانه إليهم، وأمر رعيته بالإحسان إليهم، والمعاونة لنا على
خلاصهم؛ فإن في الإساءة إليهم دركا على الملك في دينه ودين الله تعالى، ودركا من جهة المسلمين، وفي المعاونة على خلاصهم
حسنة له في دينه، ودين الله تعالى وعند المسلمين؛ وكان المسيح أعظم الناس توصية بذلك.
ومن العجب كل العجب أن يأسر النصارى قوماً غدراً أو غير غدر ولم يقاتلوهم، والمسيح يقول: (من لطمك على خدك الأيمن فأدر له
خدك الأيسر، ومن أخذ رداءك فأعطه قميصك)؟!
وكلما كثرت الأسرى عندكم كان أعظم لغضب الله وغضب عباده المسلمين؛ فكيف يمكن السكوت على أسرى المسلمين في قبرص.
لا سيما وعامة هؤلاء الأسرى قوم فقراء، وضعفاء، ليس لهم من يسعى فيهم. وهذا أبو العباس مع أنه من عباد المسلمين، وله
عبادة، وفقر، وفيه مشيخة، ومع هذا فما كاد يحصل له فداؤه إلا بالشدة. ودين الإسلام يأمرنا أن نعين الفقير، والضعيف. فالملك أحق
أن يساعد على ذلك من وجوه كثيرة؛ لا سيما والمسيح يوصي بذلك في الإنجيل، ويأمر بالرحمة العامة، والخير الشامل، كالشمس
والمطر.
والملك وأصحابه إذا عاونونا على تخليص الأسرى والإحسان إليهم كان الحظ الأوفر لهم في ذلك في الدنيا والآخرة.
أما في الآخرة فإن الله يثيب على ذلك ويأجر عليه، وهذا مما لا ريب فيه عند العلماء المسيحيين الذين لا يتبعون الهوى؛ بل كل من
اتقى الله وأنصف علم أنهم أسروا بغير حق، لا سيما من أخذ غدراً، والله تعالى لم يأمر المسيح ولا أحداً من الحواريين. ولا من اتبع
المسيح على دينه؛ لا بأسر أهل ملة إبراهيم، ولا بقتلهم، وكيف وعامة النصارى يقرون بأن محمداً رسول الأميين؟! فكيف يجوز أن
يقاتل أهل دين اتبعوا رسولهم".
"وما زال في النصارى من الملوك والقسيسين والرهبان والعامة من له مزية على غيره في المعرفة والدين؛ فيعرف بعض الحق،
| |
|
essam مؤسس المنتدى
الجنس : تكريم : عدد المساهمات : 6047 تاريخ التسجيل : 27/03/2009
:: قران كريم :
| موضوع: رد: رسالة ابن تيمية إلى سرجون حاكم قبرص السبت يونيو 06, 2009 4:49 pm | |
| وينقاد لكثير منه، ويعرف من قدر الإسلام وأهله ما يجهله غيره، فيعاملهم معاملة تكون نافعة له في الدنيا والآخرة. ثم في فكاك
الأسير وثواب العتق من كلام الأنبياء والصديقين ما هو معروف لمن طلبه، فمهما عمل الملك معهم وجد ثمرته ".
"والذي أختم به الكتاب الوصية بالشيخ أبي العباس، وبغيره من الأسرى، والمساعدة لهم، والرفق بما عندهم من أهل القرآن،
والامتناع من تغيير دين واحد منهم، وسوف يرى الملك عاقبة ذلك كله.
ونحن نجزي الملك على ذلك بأضعاف ما في نفسه. والله يعلم أني قاصد للملك الخير؛ لأن الله تعالى أمرنا بذلك، وشرع لنا أن نريد
الخير لكل أحد، ونعطف على خلق الله، وندعوهم إلى الله، وإلى دينه، وندفع عنهم شياطين الإنس والجن.
والله المسئول أن يعين الملك على مصلحته التي هي عند الله المصلحة، وأن يخير له من الأقوال ما هو خير له عند الله، ويختم له
بخاتمة خير. والحمد لله رب العالمين. وصلواته على أنبيائه المرسلين. ولا سيما محمد خاتم النبيين والمرسلين، والسلام عليهم
أجمعين".
المرجع: فتاوى ابن تيمية ج28 ص601-630. نقلاً عن كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية والعمل الجماعي للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق. [color:bc6d=#fff]التـوقـيــع | |
| |
|