الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد :
أريد أن أصلح نفسي.. ولكن!
إنَّ إصلاح النفس البشريَّة مهمَّة صعبة تَحتاج إلى مثابرة ومجاهدة وصدق وإخلاص،
ومعونة من الله تعالى، إنَّ زمانَنا مليء بالفتَن الَّتي لا يسلم منها القائم والقاعد، ولقد صدق الحسَن البصري
حينما قال: "ليس العجَب فيمن هلك كيف هلك، ولكن العجب فيمَن نجا كيف نجا".
وهناك أمور لو أدْرَكَهَا المرء واعْتنى بها فإنَّها تُعينه على سلوك طريق الصَّلاح؛
إذ إنَّ ترك النَّفس وعدم محاسبتِها قد يهلكها،
ولقد صدق مَن قال: "ترك يومًا نفسِك وهواها سعيٌ لها في رداها".
وتلك بعض المعونات على الإصلاح والاستقامة:
~ الصحبة ~ :
إنَّ الصُّحبة من أهمّ العوامل في صلاح النَّفس أو في إفْسادها؛
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المرْء على دين خليلِه، فلينظُر أحدُكم مَن يُخالل))؛
رواه أحمد وأبو داود، وحسَّنه الألباني.
بل قال بعضهم: لا صلاحَ بدون صحبة؛ لأنَّ الصحبة هي الَّتي تشكِّل الإنسان،
فمِنْها يستقي الفهمَ والفِكْر والسلوك، وقد رأى أحدُ الآباء يومًا ابنَه يقلِّد شيخَه في مِشيتِه،
فحمد الله أنَّ ابنه يقلِّد العلماء ولا يقلد غيرهم.
وأخذت امرأةٌ بأُذن ابنِها وقالت: "اذْهب إلى الإمام مالك فتعلَّم منه الأدب قبل العلم"،
ومن الوصايا: "صاحب مَن يدلُّك على الله حالُه، ويقرِّبك من الله مقالُه،
ولا تعصِ الله وأنت فى صحبته".
إنَّ المرء إذا أراد أن يصاحب أحدًا فليحذَرْ، فإنَّ الإنسان يُعْرَف بصاحبه،
فإذا كان صالحًا وصف هو بالصَّلاح، وإن كان فاسقًا وُصِف بالفسق،
قال الشَّاعر:
وَاحْذَرْ مُصَاحَبَةَ اللَّئِيمِ فَإِنَّهُ & يُعْدِي كَمَا يُعْدِي الصَّحِيحَ الأَجْرَبُ
وفيما رواه أبو داود أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((لا تُصاحِب إلاَّ مؤمنًا ولا يأكل طعامَك إلاَّ تقي)).
ولقد رأيتُ مَن وقعوا في الجرائم المهْلِكة،
وضاعوا في غياهب السُّجون وتشرَّد أولادُهم من بعدهم،
ولمَّا سُئِلوا: مَن فعل بكم ذلك؟
أجابوا: الصُّحْبة السُّوء!
فصُحبة السوء يَجتمعون على معصية الله ولا يستَحْيون، تفوتُهم الصَّلاة ولا يتناصحون،
يُخطِّطون للموبقات ولا يرْتَدعون، فلتنظُر - أخي - مَن تجالس ومَن تصاحب.
قال ابن الجوزى فى "صيد الخاطر": "لقد صاحبتُ مشايخ كثيرين، فما استفدتُ إلاَّ مِن شيخَين:
الشَّيخ أبي منصور الجواليقي؛ وكان إذا حدَّث عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكى،
فكنت أقول: لأمرٍ عظيم يبكي هذا الشَّيخ، وكانت تحدث في نفسي قواعد من التَّربية،
وأمَّا الشيخ الآخر فهو عبدالوهاب الأنماطي؛
وكان في قمَّة الورع، فاللهَ الله في العلم مع العمل؛ فإنَّه الفقه الأكبر".
~ الاستفادة من الوقت ~ :
الوقت هو عمر الإنسان الَّذى يُتاجر فيه مع ربّه، والوقت أثْمن من الذَّهب،
قال الشاعر:
وَالوَقْتُ أَثْمَنُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ & وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ
سأل الفضيل بن عياض رجُلاً يومًا، فقال له: كم مضَى من عمرك؟
قال: ستُّون سنة، قال: سبحان الله!
منذ ستّين سنةً وأنت في طريقك إلى الله،
قربت أن تصل، واعلم أنَّك مسؤول فأعدَّ للسؤال جوابًا.
وقال الشَّافعى - رحِمه الله -: "لقد صاحبتُ قومًا فتعلَّمت منهم أمريْن:
نفسك إن لم تشغلْها بالحق شغلتْك بالباطل، والوقت كالسَّيف إن لم تقطعْه قطعك".
وفي الحديث: ((لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموت إن كان محسنًا لعلَّه يزدَاد،
وإن كان مسيئًا لعلَّه يستعتب)).