وبعد فمن المعلوم أن أعظم باب دخل منه على المرأة المسلمة لتغريبها بنزع حجابها وإخراجها عن قرارها والزج بها في بحر الاختلاط ، هو التعليم العصري المستمدة خططه وأهدافه وصيغته من منظمة اليونسكو ، ومن أفكار تلاميذ الغرب المفتونين بهم المنفّذين لأهداف الكفار من حيث يشعرون أو لا يشعرون ، لكن لتعليم المرأة في المملكة تميز فرضه واقع المجتمع فإن هذا التميز- بزعمهم - في طريقه للاضمحلال على سبيل التدرج حسب استعداد المجتمع للتغيير المرسومة خططه سلفاً ، وأبرز ما تم في ذلك دمج تعليم البنات مع تعليم البنين تحت وزارة واحدة وما ينشأ عن ذلك ، مما يحقق مكاسب لهواة التغريب ، وهذا لأن تعليم المرأة في المملكة كان في نشأته مشروطاً ومحدوداً ، ولم يزل يُطور حتى ذهبت الحدود وخفت القيود ، ولم يبقَ من تميزه عن التعليم في سائر المجتمعات المغرّبة إلا عدم الاختلاط في الأعم الأغلب مع ما تميزت به المملكة في تعليم البنين والبنات من عناية بالعلوم الشرعية .
ولسنا بهذا ننكر تعليم المرأة ، التعليم الذي يربي فيها الأخلاق الكريمة ، ويجعلها بصيرة في دينها قادرة على تربية النشء التربية الصالحة ، بل هذا مما جاءت به شريعة الإسلام التي اشتملت على الفضائل والكمالات وما به صلاح الدنيا والآخرة ومن كمال الشريعة أن جاءت من الأحكام بما يناسب كلاً من الرجل والمرأة بحسب طبيعته وتكوينه لأنها تنزيل من حكيم حميد ، وهو أعلم بما يصلح عباده فلا يجوز أن نسوي المرأة بالرجل في أسلوب تعليمها ، ولا فيما تتلقاه من العلوم أو تزاوله من الأعمال لاختلاف وظيفتيهما واستعدادهما العقلي والجسدي .
وعلى هذا الأساس بنى العلماء الفتوى بتحريم قيادة المرأة للسيارة لأن ذلك يؤدي إلى مفاسد كثيرة ، ومخالفات شرعية مما يتعلق بأحكام المرأة في المجتمع ، ومع ذلك لا يزال المستغربون والعصرانيون يدعون إلى فتح الباب أمام المرأة لقيادة السيارة ليحققوا بذلك مطلباً مضافاً إلى ما تحقق من مطالبهم مما يزعمونه حقوقاً للمرأة وهي المطالب التي يتم بها تغريب المرأة المسلمة .
ومن أعظم الأسباب التي مكنت لهؤلاء من الوصول إلى مآربهم ومطالبهم عدم الغيرة على الأعراض والحرمات أو ضعفها ، فإن الغيرة هي الغضب حماية للعرض والكرامة ، وهي من أشرف الأخلاق ، فإن كانت لله كانت أكمل وأفضل ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس غيرة ، ولهذا قال : ( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) البخاري كتاب التوحيد ، وكان صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه ، فإذا انتُهكتْ حرمات الله انتقم لربه .
فعلى المسلمين أن يقتدوا بنبيهم في غيرته وسائر أخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم ، ليشرفوا بذلك وليتميز مجتمع المسلمين بالطهر والعفاف ، فلا يطمع فيهم الطامعون من دعاة الفساد من الكفار والمنافقين والمخدوعين .
هيأ اللهُ من أمة الإسلام حماة للدين ودعاة مصلحين آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر يُرغم اللهُ بهم أنوف مَنْ يريد الشر بأمة الإسلام ، وفق الله ولاة الأمر إلى كل خير وجعلهم هداة مهتدين .. إنه تعالى خير مسؤول ، وخير مرجوّ ومأمول .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين